شرح قصيدة لامية العجم

شرح قصيدة لامية العجم
شرح-قصيدة-لامية-العجم/

شرح قصيدة لامية العجم

لماذا سميت قصيدة لامية العجم بهذا الاسم؟

نظم الشاعر مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي الطغرائي الذي عاش ما بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر قصيدته المعروفة بلامية العجم ليصف فيها حاله ويشكو أهل زمانه[١]، وقد عارض فيها قصيدة لامية العرب للشنفرى وهو أحد الشعراء الصعاليك المعروفين في العصر الجاهلي[٢]، ويقول الطغرائي في مطلع لاميته:[٣]


أصالةُ الرأي صانتْنِي عن الخَطَلِ

وحِليةُ الفضلِ زانتني لدَى العَطَلِ

يقول الطغرائي إنّ تمتّعه بسدادة الرأي والحكمة كان له أثر بالغ في حمايته من الوقوع في الخطأ والانحراف عن الصراط المستقيم، كما أنّه قد اتخذ من الفضل حلية يزين بها نفسه في حين بدا الكثيرين في عطل عن التزين به، ففي الفضل زينة تغني المرء عن سائر وسائل التزيين، وقد وظّف الطغرائي الجناس الناقص في هذا البيت بين الخطل والعطل[٤]، ويقول:[٣]


مجدي أخيرًا ومجدِي أوّلاً شَرَعٌ

والشمسُ رأْدَ الضُحَى كالشمسِ في الطَفَلِ

يبدو الطغرائي حريصًا على على مكارم الأخلاق والسمات النفسية الحسنة فهو لا يساوم بمجده وشرفه، فالمجد عنده أولًا وآخرًا على السواء، ويرسم الشاعر لمجده صورة حسية فهو كالشمس في وضوحها وطلعتها ثابتة لا تتغير وإن اختلف الوقت بها وتردد بين الشروق والغروب، وفي هذا البيت يوظف الشاعر الطباق من بين المحسنات البديعية في الكلمتين رأد والطفل[٥]، ويقول:[٣]


فيمَ الإقامُة بالزوراءِ لا سَكَني

بها ولا ناقتي فيها ولا جَملي

يتساءل الشاعر مستنكرًا عن سبب مكوثه في منطقة الزوراء في بغداد رغم أنه لا يملك فيها شيئًا من مسكن أو ناقة أو أشخاص مقربين، ولعله في هذا البيت يكني عن قطع علاقاته بالناس من حوله فهو يشعر بأنه وحيد بينهم والكناية في هذا البيت عن صفة الوحدة، كما يوظف الشاعر أسلوب النفي للعطف ويستفتح بيته بالاستفهام الاستنكاري[٤]، ويقول:[٣]


نَاءٍ عن الأهلِ صِفْرُ الكفِّ منفردٌ

كالسيفِ عُرِّيَ متناهُ من الخَللِ

يشكو الطغرائي وحدته وعزلته في غربته، فهو بعيد كل البعد عن الأهل والأحباب ولا يسعه في بعده غير التذكر والحنين، ويصف الطغرائي نفسه في وحدته وصفًا حسيًا فهو في بعده وغربته كالسيف إذا جرد من غمده، وهو في وحدته كسيف خالٍ من النقوش التي تزين جانبيه، ويُوظّف الشاعر الكناية في هذا البيت حين يقول صفر الكف ويقصد بها أنه لا يمتلك شيئًا[٤]، ويتابع شكواه فيقول:[٣]


فلا صديقَ إليه مشتكَى حزَنِي

ولا أنيسَ إليه منتَهى جذلي

إنّ حال الوحدة التي بات يُعاني منها الشاعر الطغرائي كانت قاسية إلى الحدّ الذي لم تعد فيه محتملة، فهو يشكو في قصيدته وقد ضاقت به الدنيا بما رحبت، فهو لا يلتمس في غربته هذه لا صديقًا يبثه شكواه فيخفف عنه ويواسيه في وحدته، ولا أنيسًا يسعده بما يفرح ويؤنس القلب من طيب الحديث، وفي هذا البيت أيضًا يُتابع الشاعر توظيفه لأسلوبي النفي والطباق بين الكلمتين حزني وجذلي[٤]، ويقول:[٣]


طالَ اغترابيَ حتى حنَّ راحلتي

ورحُلها وقرَى العَسَّالةِ الذُّبلِ

يبدو أن الحنين للوطن والأهل والألفة التي غادرته في الزوراء شعور لم يكن يراود الشاعر الطغرائي وحده وحسب، فقد كانت كل الأشياء من حوله تعتصر شوقًا وحنينًا لألفة الأهل والأصحاب وهذا يظهر جليًا على ناقته وما تحمله من رحل السفر، وكذلك تلك الرماح اللينة التي تهتز مع سير الناقة، وفي هذا البيت يلجأ الطغرائي لاستخدام أسلوب التجسيد حيث أضفى بعض الصفات الإنسانية كالشوق والحنين على الجمادات كالرحل والرماح[٦]، ويقول:[٣]


وضَجَّ من لَغَبٍ نضوي وعجَّ لما

يلقَى رِكابي ولجَّ الركبُ في عَذَلي

يُبالغ الشاعر الطغرائي في تصوير حنينه وشوقه للديار من خلال خاصية التجسيد التي قام بتوظيفها في البيت السابق، فالأشياء من حوله كالرحل والناقة التي يركبها ورماحه وكل ما يتراءى له يبدي له اللوم والعذل على هذه الغربية وعلى ما آل إليه حاله في الوحدة، ولعل صوت اللوم والعذل بات يزعجه فهو يسمعه عاليًا ويزيد عليه مواجعه[٦]، ويقول:[٣]


أُريدُ بسطةَ كَفٍ أستعينُ بها

على قضاءِ حُقوقٍ للعلا قِبَلي

في خضم الوحدة والغربة التي تحاصره وتقيد سعادته لا يسلم من ضيق العيش فهو فقير لا يملك شيئًا وهذا يُسبّب له الإحراج مع نفسه فهو يشكو ويتمنى أن تتحقق له سعة العيش لا لمجرد طلب الراحة وتلبية الحاجات المادية، إنما للحفاظ على تلك المكارم الخلقية التي توجب عليه مساعدة الآخرين وإكرام الضيف وكلها تصبح صعبة بسبب ضيق الحال كما تجعله محتاجًا للآخرين لا معينًا لهم[٦]، ويقول:[٣]


والدهرُ يعكِسُ آمالِي ويُقْنعُني

من الغنيمةِ بعد الكَدِّ بالنّفَلِ

إن الزمان يلوي ذراع الشاعر الطغرائي فيمنعه من تحقيق مطالبه التي تظل راقدة في أحلامه فقط والزمان لا يكتفي بمنعه من تحقيق مراده وحسب، إنّما يقنعه ويرغبه بالقليل ويلح عليه في ذلك حتى أنه ليقبل بالنفل عوضًا عن الغنيمة، وهذا يوحي بأن الطغرائي قد بلغ قمة يأسه وضعفه[٧]، ويقول:[٣]


وذِي شِطاطٍ كصدرِ الرُّمْحِ معتقلٍ

لمثلهِ غيرَ هيَّابٍ ولا وَكِلِ

يقول الشاعر الطغرائي مادحًا ومفتخرًا هذا البعيد يبدو معتدل القامة صاحب هيبة معتاد على اقتياد الجيوش والناس في المعارك، وهو شجاع مقدم غير جبان ولا هو من النوع الاتكالي الذي يرمي بأحماله على غيره، وتبدو اللغة الشعرية في هذا البيت قريبة إلى حد كبير من اللغة الشعرية للشنفرى في لاميته، فالتشبيه مقتبس من البيئة الجاهلية الحسية[٧]، ويقول:[٣]


حلوُ الفُكاهِةِ مُرُّ الجِدِّ قد مُزِجتْ

بقسوةِ البأسِ فيه رِقَّةُ الغَزَلِ

يُتابع الشاعر الطغرائي فخره فيحشد في هذا البيت صفات يندر أن تتحد في شخص واحد، فهو إلى جانب قوّته وشجاعته يمتلك حس الفكاهة والمرح، ولكن الشاعر لا يترك هذه السمة الرقيقة منفردة، إذ سرعان ما يمزج بينها وبين المرارة في الجد فهو شخصية غير هزلية قاسية وقت الجد وحازمة، وهي رغم كل ذلك تتمتع بروح الفكاهة وتحسن الغزل الرقيق[٧]، ويقول:[٣]


طردتُ سرحَ الكرى عن وِرْدِ مُقْلتِه

والليلُ أغرَى سوامَ النومِ بالمُقَلِ

إلى جانب كل تلك المحاسن الخلقية المحمودة التي أشاد بها الشاعر الطغرائي في الأبيات السابقة يُضيف صفة النباهة التي يتمتع بها على قدر عالٍ، فهو وإن ورد النعاس مقلته طرده ولم يسمح له بالورود ثانية رغم كافة المغريات التي يتيحها الوقت من ليل وسكون وملل، وفي هذا البيت يوظف الطغرائي الاستعارة على نحو بليغ حيث جعل النعاس كالحيوان الذي يطرده لئلا يرد جانبه[٨]، ويقول:[٣]


والركبُ مِيلٌ على الأكوارِ من طَرِبٍ

صاحٍ وآخرَ من خمر الهوى ثَمِلِ

يُتابع الشاعر الطغرائي قوله منتقلًا إلى وصف الركب الذين يشاركونه السفر والترحال فهم على نوعين: أحدهما نائم على رحله غير صاح وكأنه بلغ حد الثمالة والسكر ولم يصح منها بعد، وآخرون في أول صحوهم من الثمالة فهم يتمايلون على رحلهم وكأنهم يتمايلون طربًا على صوت الحداء، وقد وظّف الشاعر الكناية في هذا البيت فكنى عن النوم بالسكر والثمالة[٨]، ويقول:[٣]


فقلتُ أدعوكَ للجُلَّى لتنصُرَنِي

وأنت تخذِلُني في الحادثِ الجَلَلِ

يقول الشاعر الطغرائي أنا أدعوك لتكون لي عونًا فيما يصيبني من أمر جلل، إلا أنك تتخلى عني حتى في الأمر الحقير وفي هذا عظيم الخذلان والحسرة، وهذا البيت يحتوي على ملامة وعتاب تلا الفخر والمدح والاعتزاز ووصف للركب وهذا يشعر بأن القصيدة تقوم على عدة موضوعات، كما أنها تقوم على وحدة البيت كما هو شائع في القصيدة الجاهلية[٩]، ويقول:[٣]


تنام عيني وعينُ النجمِ ساهرةٌ

وتستحيلُ وصِبغُ الليلِ لم يَحُلِ

يُتابع الطغرائي لومه وعتابه فيقول إنّك تنام وتشغل عني في الوقت الذي أكون بأمس الحاجة إليك، وكنّى عن ذلك بقوله "وعين النجم ساهرة" أي: في حلكة الليل، في الوقت الذي يكون الإنسان فيه في عوز وحاجة، إلا أنك من النوع الذي يستحيل ويتغير ويتقلب تمامًا كالليل لا يدوم على حاله[٩]، ويقول:[٣]


فهل تُعِيُن على غَيٍّ هممتُ بهِ

والغيُّ يزجُرُ أحيانًا عن الفَشَلِ

في هذا البيت يُحاول الشاعر الطغرائي حث صاحبه على مساعدته وإعانته فهو قد ضل السبل دونه، ويقول إنّ إعانة المحتاج على غيه تحول دون الفشل والتعوق، وفي هذا البيت يوظف الشاعر أسلوب التكرار اللفظي والأساليب الإنشائية المتمثلة بالاستفهام المحمل بالرجاء الذي يستفتح به بيته[٧]، ويقول:[٣]


إني أُريدُ طروقَ الحَيِّ من إضَمٍ

وقد رَماهُ رُماةٌ من بني ثُعَلِ

يستخدم الشاعر الطغرائي في هذا البيت أسلوب السرد الشعري ليقصّ حكايته مع قوم من بني ثعل الذين كانوا يقيمون في وادٍ بالقرب من الجبل، حيث قام رماتهم بمنعه وحمايته حين جاءهم ليلًا، ويشكّل هذا البيت وثيقة تاريخية تحمل حدثًا أو واقعة مر بها، كما تسجل أعلامًا من العرب الذين يتصفون بالشجاعة والكرم[٩]، ويقول:[٣]


يحمونَ بالبِيض والسُّمْرِ اللدانِ بهمْ

سودَ الغدائرِ حُمْرَ الحَلْي والحُلَلِ

يُتابع الشاعر الطغرائي وصفه لهؤلاء القوم الذين امتدحهم في البيت السابق فيقول إنّهم مسلحون بالسيوف والرماح اللينة فيحمون بها من هم في حماهم من النساء والضيوف واللاجئين المستضعفين فهم أقوياء وأشداء لا يهابون الأعداء، وهم أيضًا يتمتعون بطيب الخلق والكرم[٩]، ويقول:[٣]


فسِرْ بنا في ذِمامِ الليلِ مُهتديًا

بنفحةِ الطِيب تَهدِينَا إِلى الحِلَلِ

يُخاطب الشاعر الطغرائي رفيقه في السفر فيقول له سِر بنا في هذا الليل ولا تخش الضلال في الطريق إلى الحي الذي يقطنه هؤلاء القوم، الذين امتدحهم في الأبيات السابقة، وذلك لأنّ ذلك الحي تفوح منه رائحة الطيب التي يقصد بها كرم أهله وجودهم، وإن من يتبع رائحة الطيب لا يضل طريقه عن الحي[١٠]، ويقول:[٣]


فالحبُّ حيثُ العِدَى والأُسدُ رابضَةٌ

نِصالُها بمياه الغَنْجِ والكَحَلِ

ينتقل الشاعر إلى موضوع الغزل، فتراه يتغنّى بمحبوبه واصفًا مكوثها في مكان حصين حيث إنّها محتجبة عن أعين الناس رغم تسلُّحها بسلاح الجمال والدلال، وهما في نظر الشاعر أشد خطرًا وتأثيرًا من غيرها من الأسلحة، وعلى ذلك الوصف قد استدعاه لخلق الصورة الفنية التي تعد من أبرز الأساليب في لامية العجم، حيث جعل الطغرائي فيها محبوبته محاطة بالعدا والأسد دون أن تكترث[١١]، ويقول:[٣]


قد زادَ طيبَ أحاديثِ الكرامِ بها

ما بالكرائمِ من جُبنٍ ومن بُخُلِ

يقول الشاعر الطغرائي إنّ أحاديث القوم وتسامرهم الطيبة تزداد طيبة بما بينهم من النساء الحرائر اللاتي يتصفن بالجبن والبخل، وهذا مدح له إذ استحسن العرب قديمًا في المرأة أن تكون جبانة لتظل في حمى زوجها فلا تتمرد عليه، وكذلك استحسنوا بخلها لتكون حريصة على مال زوجها فلا تنفق منه في غير وجهه[١٢]، ويقول:[٣]


يقتُلنَ أنضاءَ حبٍّ لا حَراكَ بها

وينحرونَ كرامَ الخيلِ والإِبِلِ

في هذا البيت قام الشاعر الطغرائي بالمزج بين مدح رجال الحي ومدح نسائهم في آن معًا بأسلوب بليغ مُستحسن، فهو يقول إنّ نساء الحي يقتلن العشاق بعد أن يعلقنهم بحبال الهوى، بينما يقوم رجال الحي نفسه بذبح كرام الإبل وإطعام ضيوفهم وبهذا يكون أهل الحي من الرجال والنساء قد وسموا بحميد الخصال[١٣]، ويقول:[٣]


يُشفَى لديغُ العوالي في بُيوتهِمُ

بنهلةٍ من لذيذِ الخَمْرِ والعَسَلِ

يُتابع الشاعر الطغرائي غزله بنساء الحي فيقول إنّ المصاب الذي أهلك برمي الرماح يشفى في بيوت أهل الحي بفضل ما ينهله من الخمر والعسل الذي كنى به عن رضاب هؤلاء النساء، وبهذا فإنّهن يقتلن ويشفين في آن معًا، في هذا البيت يوظّف الشاعر التصوير الفني والتشبيه فيصور الرماح بالأفعى أو العقرب الذي يلدغ[١٣]، ويقول:[٣]


لعلَّ إِلمامةً بالجِزعِ ثانيةً

يدِبُّ فيها نسيمُ البُرْءِ في عللِ

يعود الشاعر لوصف حنينه وأشواقه فهو يرجو أن يلم بالحي ثانية ولكن بعده يوحي له بالجزع، ولعل ذلك الشوق يراوده كلما هب نسيم طيب ظن أنه مقبل من جانب ذلك الحي وهذا النسيم وحده كافٍ ليبرء ويشفي نفسه العليلة بسبب الشوق والحنين، وفي ذلك مبالغة لطيفة لتصوير أشواقه لذلك الحي[١٤]، ويقول:[٣]


لا أكرهُ الطعنةَ النجلاءَ قد شُفِعَتْ

برشقةٍ من نِبالِ الأعيُنِ النُّجُلِ

يقول الطغرائي إنّه لا يكترث بتلك الطعنات التي قد تنهال عليه مهما بدت قاتلة وصعبة بعد أن ذاق العديد من الطعنات الحادة من عيون الحسناوات، فهي مهما بدت قاتلة ومؤلمة تظل طيبة بفضل ما يناله من اللذة التي تشفع له عند كل هذا الألم الذي قد يناله، وهذه صورة مبدعة تصور شدة جمال نساء الحي[١٥]، ويقول:[٣]


ولا أهابُ صِفاح البِيض تُسعِدُني

باللمحِ من صفحاتِ البِيضِ في الكِلَلِ

يُتابع الشاعر الطغرائي المعنى الغزلي الذي نسجه في البيت السابق ويقول إنّه ايضًا لم يعد يهاب طعنات السيوف، إذ إنّ تذكره بالطعنات التي تتهاوى على قلبه من الحسناوات حين يقبلن عليه من بين الكلل البيض فتذكره لهذا المشهد الجميل وحده كاف لأن يجعل طعنات السيوف تسعده[١٦]، ويقول:[٣]


ولا أخِلُّ بغِزلان أغازِلُها

ولو دهتني أسودُ الغِيل بالغيَلِ

يصرح الطغرائي بأنه منهمك في تغزُّله بنساء الحي ولا يوجد ما يُمكن أن يصده عن ذلك أو يشغله عنهن حتى لو قامت مجموعة كبيرة من الأسد بمداهمته وحلّ به الخطر فإن ذلك لن يذهله عنهن، وفي هذا البيت يلجأ الشاعر لاستخدام المبالغة بغية تقوية المعنى وإضفاء لمسة جمالية على الصورة الشعرية[١٦]، ويقول:[٣]


حبُّ السلامةِ يُثْني همَّ صاحِبه

عن المعالي ويُغرِي المرءَ بالكَسلِ

ينتقل الشاعر الطغرائي لعرض أبيات من الحكمة تلخص ما أفاده في هذه الحياة بفضل تجاربه فيها وخبرته، فيقول إنّ الحرص على السلامة وتوقي المخاطر واجتناب سبلها يثبط همة المرء ويثني عزائمه فيضحي كسولًا ضعيفًا وغير مؤهل للقيام بالأمور الجسام كما أن ذلك يحول دون وصوله للمعالي[١٦]، ويقول:[٣]


فإن جنحتَ إليه فاتَّخِذْ نَفَقًا

في الأرضِ أو سلَّمًا في الجوِّ فاعتزلِ

يقول الطغرائي ساخرًا إن كنتَ قد ملت إلى الكسل وحب السلامة وأردتَ بشدة أن تحفظ نفسك من الخطر في هذه الحياة فإنّ عليك أن تحفر نفقًا تحت الأرض لتسير فيه بعيدًا عن الناس، أو يمكنك أن تتخذ لنفسك سلمًا لتبلغ عنان السماء فتعتزل الناس وتكن وحدك لتضمن السلامة بحق، ولعله بذلك يرد أساس صعوبات الحياة ومشاكلها إلى الناس وحدهم[١٦]، ويقول:[٣]


ودَعْ غمارَ العُلى للمقديمن على

ركوبِها واقتنِعْ منهن بالبَلَلِ

يُتابع الشاعر نصحه الساخر لهؤلاء الذين ينشدون السلامة في كل خطوة يخطونها، ويقول إن كنت حريصًا على سلامتك فاترك طريق العلا لمن هو أهل لها فهي شائكة ومليئة بالشدائد واتّبع حياة البساطة والأهداف البسيطة واكتفِ بها، وفي هذا البيت يلجأ الشاعر للأسلوب الإنشائي المتمثل بأفعال الأمر لتحقيق المعنى على الوجه المراد[١٦]، ويقول:[٣]


رضَى الذليلِ بخفضِ العيشِ يخفضُه

والعِزُّ عندَ رسيمِ الأينُقِ الذُلُلِ

يتوصل الطغرائي إلى لب حكمته التي تقتضي بأنّ الإنسان الذي يحاول تقليل طموحاته وخفض عيشه بغية حفظ سلامته يكون ذليل بساطته وإرادته غير الكافية، في حين أن الإنسان القوي الذي يغامر ويطمح ولا يرضى بالقليل ويسير شامخًا متتبعًا غاياته يتذلل له العز تذللًا ليرضى به[١٦]، ويقول:[٣]


إن العُلَا حدَّثتِني وهي صادقةٌ

في ما تُحدِّثُ أنَّ العزَّ في النُقَلِ

جعل الشاعر الطغرائي العلا تُخاطبه بما يخاطبه به لا وعيه الباطن، وتحثه على السفر والانتقال والعلا بلا شك تكون صادقة فيما تدعو إليه، وهذا ما دفعه للاستجابة لها وترك الوطن والسفر، وفي هذا البيت يلجأ الطغرائي إلى خاصية التجسيد، حيث أسقط بعض صفات الكائن الحي كالقدرة على التحدُّث عن أمر معنوي وهو العلا وهو يمنح الشعر جمالية بما يضفي عليه من الخيال المستحسن[١٧]، ويقول:[٣]


لو أنَّ في شرفِ المأوى بلوغَ مُنَىً

لم تبرحِ الشمسُ يوماً دارةَ الحَمَلِ

يرى الشاعر الطغرائي أن بلوغ المنى وتحقيق المراد لا يمكن أن يتحقق إذا لزم المرء مكانه، ويلجأ الطغرائي لاستخدام الأمثال لدعم قوله فيضرب لذلك مثلًا إذ ولو كان بالإمكان ذلك لما برحت الشمس من مكانها في كل حين، ويبدو الشاعر وكأنه يبرر لنفسه أو لعزيز عليه سبب هذا السفر الذي حرمه من وطنه ولقاء أحبابه[١٧]، ويقول: [٣]


أهبتُ بالحظِ لو ناديتُ مستمِعًا

والحظُّ عنِّيَ بالجُهَّالِ في شُغُلِ

يشكو الطغرائي ما أصابه من هلهلة الحظ وضعفه، ويشير بذلك إلى ما أصابه في سفره، فالسفر والغربة وإن كانت تعود بالخير الوفير على الكثيرين فإنه لم ينله منها غير الشوق والحنين والجهد والفقر، ويقول إنّ الحظ يلازم الجهال وقليلي الخبرة وهو بذلك يلقي الملامة على الأقدار في شقائه وخيبة أمله[١٨]، ويقول:[٣]


لعلَّهُ إنْ بَدا فضلي ونقصُهُمُ

لعينهِ نامَ عنهمْ أو تنبَّهَ لي

يؤنس نفسه ويواسيها بقوله إنّي سأظل مصرًا وأنادي حظي لعله يلتفت إليّ قليلًا ويغض الطرف عن هؤلاء الجهال، ويبدو يائسًا بسبب ذلك إذ استخدم أسلوب الرجاء، وقد قام الطغرائي بتوظيف الاستعارة والتصوير الفني حيث جعل الحظ كالإنسان الذي يمكن أن يغفل وتنام عينه[١٨]، ويقول:[٣]


أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها

ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ

في خضم هذا اليأس يُحاول الشاعر الطغرائي أن يُصبّر نفسه ويسلي عنها من خلال التمسك بالآمال مهما بدت ضعيفة أو مستحيلة، وهو يترقب شرارة أمل تحقق له مراده، ويرى بأن العيش ضيق ولا يحتمل لولا ما يتيحه الأمل من راحة بال واطمئنان إلى المستقبل المجهول[١٩]، ويقول:[٢]


لم أرتضِ العيشَ والأيامُ مقبلةٌ

فكيف أرضَى وقد ولَّتْ على عَجَلِ

يبدي الشاعر الطغرائي زهده في العيش والحياة ويُعلّل لنفسه ذلك بقوله إنّي لم أقبل على العيش وأنا في شبابي حين كانت الأيام لا تزال مقبلة علي، وبالتالي فإني لن أرض بها وأتلهف عليها وقد ولت مني على عجل، يكني بذلك عن شيخوخته، ويوظف الشاعر في هذا البيت أسلوب الاستفهام التعجّبي[٢٠]، ويقول:[٢]


غالى بنفسيَ عِرفاني بقيمتِها

فصُنْتُها عن رخيصِ القَدْرِ مبتَذَلِ

يعتز الشاعر الطغرائي بنفسه إذ يعدّها غالية وذات قدر عالٍ فهو يدرك أحقيتها بما هو أفضل، وواجبه تجاهها بصونها من كل ما قد يبتذلها أو يقلل من شأنها، ولعله بذلك يعلل سبب ترفعه عن الكثير من الأشياء وصعوبة الحياة بالنسبة له وأن كل ما يواجهه من صعاب كانت فقط لصون نفسه وحمايتها[٢٠]، ويقول:[٢]


وعادةُ النصلِ أن يُزْهَى بجوهرِه

وليس يعملُ إلّا في يدَيْ بَطَلِ

يفتخر الشاعر الطغرائي بنفسه ويعتزّ بها فهو يرى نفسه بطلًا خلقت يداه لحمل النصل الذي يكون شرفه على أقرانه بكمال جوهره، يبدو أنّ همة الشاعر كاملة وعلى استعداد تام لكل أنواع الرفعة والسيادة، ولكنه يحتاج إلى جانب كل ذلك معز ومساند له، ويضرب لذلك مثلًا بالسيف الذي يظل بحاجة إلى ضاربه[٢٠]، ويقول:[١٨]


ما كنتُ أُوثِرُ أن يمتدَّ بي زمني

حتى أرى دولةَ الأوغادِ والسّفَلِ

يتحسر الطغرائي على زمانه الذي امتد به ليعيش في الوقت الذي يسود فيه الأوغاد والجهال وينالوا من الحظ ما نالوا وهم على الرغم من ذلك لم يكونوا ليوفوه حقه ولا ليقابلوه بما يستحقه من معاملة، وهذا يفسر سبب ضيق الشاعر وبؤسه وحنينه إلى الماضي الذي قضاه في بلده[٢٠]، ويقول:[٢]


تقدَّمتني أناسٌ كان شَوطُهُمُ

وراءَ خطويَ إذ أمشي على مَهَل

يتابع الشاعر حلقة يأسه وسخطه على الواقع الذي قدر فيه لهؤلاء الذين وصفهم بالأوغاد أن يتقدموه في أقدار الحياة وأن يتأخر عنهم رغم أن عظيم أمرهم يظل حقيرًا بالنسبة له، كما أنه وصف تقدمهم عليه في مجالات الحياة بالأشواط، وذلك يوحي ببصيص أمل يلوح في خاطره إذ إنّ تقدمهم عليه سيكون مؤقتًا وحسب[٢٠]، ويقول:[٢]


هذا جَزاءُ امرئٍ أقرانُه درَجُوا

من قَبْلهِ فتمنَّى فُسحةَ الأجلِ

يرى الشاعر أنه نال جزاءه؛ إذ إنّه لم يلحق بأقرانه الذين سبقوه ووافتهم آجالهم رغم أنه أحبّهم وأحبّ الحياة معهم لطيب أصلهم وحُسن معاشرتهم، وقد طمع الطغرائي بالحياة وعاش طويلًا، ولكنه أدرك أنه أخطأ في ذلك فلقي ما لاقاه من أهل هذا الزمان كعقوبة لطلبه مديد العمر[٢١]، ويقول:[٢]


وإنْ عَلانِيَ مَنْ دُونِي فلا عَجَبٌ

لي أُسوةٌ بانحطاطِ الشمس عن زُحَلِ

يأخذ الطغرائي بعين الواقع فلم يعد يتعجب مما أتى به من تقدم أهل زمانه من الأوغاد، فهذه هي طبيعة الحياة والكون، ولعله يواسي نفسه بموقع الشمس من الكواكب، فالشمس أيضًا كانت قد تأخرت عن زحل رغم ما للشمس من فضل على سائر الكواكب، وهذا هو حاله أيضًا[٢١]، يقول:[٣]


فاصبرْ لها غيرَ محتالٍ ولا ضَجِرٍ

في حادثِ الدهرِ ما يُغني عن الحِيَلِ

يصف الطغرائي ردة فعل الناس تجاه موقفه الذي اتخذه من الحياة، لا سيما بعد أن رأوا كثرة شكواه، فقد نصحوه بأن يصبر وأن يشغل نفسه عن مصاعب الحياة بما هو متاح بيده وأن يحتال على مصاعبها، وحجتهم في ذلك أنّ سنة الحياة في تقلب وتغير[٢١]، ويقول:[٣]


أعدى عدوِّكَ أدنى من وَثِقْتَ به

فحاذرِ الناسَ واصحبهمْ على دَخَلِ

لقد أصبح الطغرائي في هذا الزمان وبسبب كل ما لاقاه من الظلم وعدم التقدير والغدر شديد الحذر مع الناس قليل الاختلاط بهم، فهو وإن رافقهم أو عاشرهم يظل حذرًا لا يثق بأحد منهم وذلك سيكون أقل شرًا له، وفي هذا البيت يلجأ الشاعر لتوظيف الأسلوب الإنشائي الذي بدا سائدًا في سائر أبيات القصيدة[٢١]، ويقول:[٣]


وإنّما رجلُ الدُّنيا وواحِدُها

من لا يعوِّلُ في الدُّنيا على رَجُلِ

في جميع الثقافات يعد الاتكال على الآخرين آفة من آفات المجتمع لا سيما في المجتمعات الشرقية، ولذلك تناول الطغرائي هذه القضية في شعره فهو يرى أن الرجل مكتمل الرجولة هو الذي يكتفي بنفسه ولا يعتمد على الآخرين ويكون حذرًا غير واثق من الناس، يلزم الحذر في تعامله معهم في الوقت الذي بدا فيه الناس على حال غير محمود من الغدر وعدم الاهتمام، ويستخدم الطغرائي أسلوب الاستثناء للحصر لدعم المعنى وتخصيصه[٢٢]، ويقول:[٣]


وحسنُ ظَنِّكَ بالأيام مَعْجَزَةٌ

فظُنَّ شَرّاً وكنْ منها على وَجَلِ

ينصح الشاعر بعدم الوثوق بالأيام فهي غدارة متقلبة لا تستقر على حال وكل شيء فيها لا يدوم، لذلك فإن من كان حاله التقلب والتغيير فلا يجدر الوثوق به، وأنّ على الإنسان أن يظل حذرًا منها ومتحفزًا لأي طارئ فلا يتفاجأ بفعل منها ولا يأمن نفسه منها على حال[٢٢]، ويقول:[٢٢]


غاضَ الوفاءُ وفاضَ الغدرُ وانفرجتْ

مسافةُ الخُلْفِ بين القولِ والعَمَلِ

يُقارن الشاعر الطغرائي بين ماضيه وحاضره فهو في الماضي كان يعيش بين أناس كرام كلما وعدوا أوفوا بما وعدوا، بينما هو في حاضر لا يكشف عن أناس إلا وقد اعتادوا إخلاف الوعود لا يعرفون للوفاء معنى ولا يراعون فيمن حولهم خلقًا، وفي هذا البيت يلجأ الشاعر لتوظيف المقابلة في الجملتين غاض الوفاء وفاض الغدر[٢١]، ويقول: [٣]


وشانَ صدقَك عند الناس كِذبُهمُ

وهل يُطابَقُ معوَجٌّ بمعتَدِلِ

يبدو أن الشاعر الطغرائي لم ينفر ويعتزل الناس بسبب كذبهم وطباعهم غير المؤتمنة وغدرهم وإخلافهم للوعود وحسب، إنما قاموا هم بالنفور منه أيضًا لصدقه واستقامته؛ حيث إنّ استقامته لم ترق لهم وضرب لذلك مثلًا أنّ العود المستقيم لا يمكن أن يطابق عودًا معوجًا[٢٢]، ويقول:[٣]


إن كان ينجعُ شيءٌ في ثباتِهم

على العُهودِ فسبَقُ السيفِ للعَذَلِ

يرسم الشاعر صورة لاستحالة وفاء القوم بالعهود ولكنه لا يجد شيئًا يُطابق هذه الصورة، فتراه ينتقل باحثًا في نفسه عن دواء لعادة القوم في إخلاف العهود والوعود فلا يجد غير السيف، أي أنّ علاجهم من كل هذا لا يكون إلا بقتلهم، وفي هذا البيت هجاء مقذع يُبيّن فيه الشاعر سوء خلق القوم بالصورة التي يكرهها العرب[٢٢]، ويقول:[٣]


يا واردًا سؤْرَ عيشٍ كلُّه كَدَرٌ

أنفقتَ عُمرَكَ في أيامِكَ الأُوَلِ

يُوجّه الطغرائي خطابه لذاته في هذا البيت معاتبًا وقد أفنى شبابه وصفو أيامه وضيعها فيما يجب وما لا يجب، وأنفق فيها ما بيده حتى صار في آخر أيامه على هذا الحال، كثير الضجر والشكوى، يُحاول تجاوز آخر أيامه التي وصفها بأيام الكدر الباقية، وقد وظف الشاعر الكناية في هذا البيت فكنى عن أيام الشباب بالصفو وكنى عن أيام الكبر بالكدر[٢٣]، ويقول:[٣]


فيمَ اعتراضُكَ لُجَّ البحرِ تركَبُهُ

وأنتَ تكفيك منه مصّةُ الوَشَلِ

لا يزال الطغرائي يتحسر على ما مضى من عمره وانقضى حيث تقدم به العمر وكبر في السن في حين أنه لا يزال يصارع مواجع الحياة التي وصفها بلج البحر في حين أنه لم يعد قادرًا ومهيئًا، لذلك فهذا الأمر يخوضه الإنسان في فترة قوته وشبابه بينما هو عليه أن يكتفي بما يعرض منها على وجه بسيط[٢٣]، ويقول:[٣]


مُلْكُ القناعةِ لا يُخْشَى عليه ولا

يُحتاجُ فيه إِلى الأنصار والخَوَلِ

الطغرائي رغم كل ما يعانيه ويلاقيه ممن حوله من الناس إلا أنه يتحلى بالقناعة والرضا وإن بدا ساخطًا في معظم مواضع القصيدة، وهو يرى بأن من يتحلى بصفة القناعة يكن ملكًا يغتني عن الحاجة، وإن كان الملك يحتاج في حكمه إلى الأعوان والأنصار فإن ملك القناعة وحده الذي لا يحتاج أي من هذا ويكتفي بذاته[٢٣]، ويقول:[٣]


ترجو البَقاءَ بدارِ لا ثَباتَ لها

فهل سَمِعْتَ بظلٍّ غيرِ منتقلِ

هذا البيت يمثل رأس الحكمة في هذه القصيدة، فالشاعر المتشائم اليائس ينظر إلى حقيقة الوجود بعين ثاقبة، فيرى أنّ الدنيا حياة فانية لا دوام لها، ولذلك فإنّه يعجب من كل الذين يطمعون بالعيش، فالحياة كالظل لا تستقر ولا تدوم، ويراوح الشاعر في هذا البيت بين الأسلوبين الإنشائي والخبري المتمثل بالجملة الفعلية ترجو[٢٣]، لقد ارتكز الطغرائي على الحكمة في تشكيل أبياته لكونها أصل الأدب[٢٤]، ويقول:[٣]


ويا خبيرًا على الأسرار مُطّلِعًا

اصْمُتْ ففي الصَّمْتِ مَنْجاةٌ من الزَّلَلِ

في هذا البيت يُناشد الشاعر كلّ إنسان قد بلغ من الحكمة والخبرة في الحياة ما بلغ ويطلب إليه أن يلزم الصمت إن أراد النجاة من الوقوع في الزلل، فالزلل سببه كثرة الكلام، أما المقل والصامت فإنه يكون في مأمن من ذلك، ولعل كل خبير في الحياة حكيم مطلع على أسرار الكون سيُدرك المقصد من ذلك، ويوظف الطغرائي في هذا البيت أسلوب النداء من بين الأساليب الإنشائية للتنبيه والاستدعاء[٢٣]، ويقول:[٣]


قد رشَّحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ

فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ

إنّ الخبرة في الحياة والحكمة والأسرار الكونية التي قد خصصت بالاطلاع عليها قد زادت فطنتك، فاحرص على ألا تكون سائرًا على خطى الهمل، وفي هذا البيت أيضًا يحاول الشاعر المزج بين الأسلوبين الإنشائي المتمثل بفعل الأمر، والخبري المتمثل بالفعل الماضي.[٢٣]


معاني المفردات في قصيدة لامية العجم

  • الخطل: الاعوجاج والخطأ.[٢٥]
  • العطل: العري.[٢٦]
  • شرع: على السواء.[٢٧]
  • رأد الضحى: أول النهار.[٢٨]
  • ناء: بعيد.[٢٩]
  • الخلل: نقوش السيف.[٣٠]
  • جذلي: فرحي.[٣١]



  • الشطاط: البعد.[٣٨]
  • الوكل: العاجز الكسول.[٣٩]
  • البأس: العذاب.[٤٠]
  • الكرى: النعاس.[٤١]
  • الكور: الرحل.[٤٢]
  • الجلّى أو الجلل: الأمر العظيم.[٤٣]


  • غي: ضلال.[٤٤]
  • الزجر: المنع.[٤٥]
  • الحلل: رداء أو إزار. [٤٦]
  • رابضة: طاوية قوائمها.[٤٧]
  • الكلل: الستر الرقيق.[٤٨]


  • جنحت: ملت.[٤٩]
  • غمار: شدائد.[٥٠]
  • القدر: قيمة الشيء ومبلغه.[٥١]
  • غاض: نقص.[٥٢]


الصور الفنية في لامية العجم

  • أصالةُ الرأي صانتْنِي عن الخَطَلِ
وحِليةُ الفضلِ زانتني لدَى العَطَلِ

صور الطغرائي سدادة الرأي بالدرع أو الحصن الذي يحميه ويصونه لقدرته على حمايته من الوقوع في الخطأ، وصور الفضل بالزينة والحلى التي يستخدمها المرء ليتزين بها وهي زينة معنوية يتجمل بها خلق المرء، وهذه استعارة مكنية يغيب فيها المشبه به وهو الحصن في الشطر الأول والزينة في الشطر الثاني. [٥٣]


  • نَاءٍ عن الأهلِ صِفْرُ الكفِّ منفردٌ
كالسيفِ عُرِّيَ متناهُ من الخَللِ[٣]

صور الطغرائي نفسه وهو بعيد عن أهله وقد مال حاله فلم يعد يمتلك من الدنيا شيئًا من مال أو رفيق يسعده بالسيف الذي جرد من غمده ومنعت عنه زينته من الحلى، هذا البيت مثال على التشبيه التمثيلي الذي تقابل فيه صورة السيف في تجرده من غمده مع صورة الشاعر الذي جرد من أحبته.[٥٤]


  • والدهرُ يعكِسُ آمالِي ويُقْنعُني
من الغنيمةِ بعد الكَدِّ بالقَفَلِ

صور الطغرائي الدهر بالإنسان الحكيم الذي له رأيه ونظرته الخاصة للأشياء، كما أن لديه قدرة على لفت الآخر وإقناعه بوجهة نظره، وقد قام بإقناع الشاعر بالرضى بالقليل، وهذا البيت مثال على الاستعارة المكنية التي يبرز فيها المشبه ويغيب المشبه به المتمثل بالحكيم .[٥٣]


  • وذِي شِطاطٍ كصدرِ الرُّمْحِ معتقلٍ
لمثلهِ غيرَ هيَّابٍ ولا وَكِلِ

صور الشاعر الطغرائي صاحبه المخصوص بالمدح بعصا الرمح الطويلة الممشوقة لنحوله وما نتج عن ذلك من خفة وسرعة كما أنه ينطلق مقدامًا كالرمح لا يثنيه عن مقصده شيء إذا انطلق، وهذا البيت مثال على التشبيه التمثيلي الذي يتجلى فيه المشبه وهو صاحبه النحيل السريع والمقدام والمشبه به الرمح الخفيفة التي تنطلق مسرعة ولا تثنى عن هدفها.[٤]


  • حلوُ الفُكاهِةِ مُرُّ الجِدِّ قد مُزِجتْ
بقسوةِ البأسِ فيه رِقَّةُ الغَزَلِ

صور الشاعر صفات الممدوح المتناقضة وهي الجد والهزل وحسن الفكاهة والقسوة وحسن الغزل بالشراب الذي مزج بغيره ليمنح نكهة مميزة وخاصة، يمثل هذا البيت الاستعارة المكنية التي يبرز فيها المشبه وهوالوصف الحسن وغيب المشبه به وهو الشراب.[٥٣]


طردتُ سرحَ الكرى عن وِرْدِ مُقْلتِه

والليلُ أغرَى سوامَ النومِ بالمُقَلِ

صور الطغرائي النعاس الذي يحاول السيطرة على وعيه وعينيه بقطيع الذئاب الذي يقوم الشاعر بطرده لئلا يرد إلى المكان الذي يقصده، وصور مقلتي صاحبه بمنبع الماء الذي يرده قطيع الذئاب، في هذا البيت استعارة مكنية يبرز فيها المشبه وهو النعاس، ويغيب فيها المشبه به وهو الذئاب.[٥٣]


والركبُ مِيلٌ على الأكوارِ من طَرِبٍ

صاحٍ وآخرَ من خمر الهوى ثَمِلِ

صور الشاعر رفاقه في موكب السفر وهم يتمايلون بسبب النعاس والتعب بندامى مجالس السكر فبعضهم قد سكر حتى لم يعد صاحيًا والاخر يصحو ولا يزال غير واع، وفي هذا البيت تشبيه مؤكد مفصل يظهر فيه المشبه وهو الركب والمشبه به وهو السكر واوجه الشبه وهو التمايل وعدم الصحوة بينما تغيب الأداة.[٥٣]


  • لا أكرهُ الطعنةَ النجلاءَ قد شُفِعَتْ
برشقةٍ من نِبالِ الأعيُنِ النُّجُلِ[٣]

صور الشاعر الطغرائي في هذا البيت النظرات التي تنطلق من أعين الحسناوات الواسعة بالنبال التي ترشق مستهدفة قتل العدو، وصور نفسه بالعدو الذي يروح ضحية رشقات تلك النبال، وهذا البيت يمثل تشبيهًا مؤكدًا مجملًا أي تشبيهًا بليغًا، بحيث ذكر المشبه وهو العيون والمشبه به وهو النبل بينما غيب كل من أداة التشبيه ووجه الشبه.[٥٤]


  • إن العُلَا حدَّثتِني وهي صادقةٌ
في ما تُحدِّثُ أنَّ العزَّ في النُقَلِ[٣]

صور الشاعر الطغرائي العلا بالفتاة التي تحدثه وتخوض معه حوارًا لتقنعه بأهمية السفر في تحقيق المعالي وبلوغ الغايات والمطامح، ووصفها بالفتاة الصادقة التي لا تكذب،و في هذا البيت استعارة مكنية، حيث برز المشبه وهو العلا وغيب المشبه به وهو الفتاة واستعين بأحد لوازمه عنه وهو التحدث والتكلم.[٥٤]


  • غاضَ الوفاءُ وفاضَ الغدرُ وانفرجتْ
مسافةُ الخُلْفِ بين القولِ والعَمَلِ[٣]

صور الطغرائي الوفاء بالماء الذي شح وق حتى غاض في جوف الأرض، وصور الغدر بماء النهر الذي يفيض فيغمر ما حوله وفي ذلك دلالة على انتشار الغدر وقلة الوفاء بين الناس، وفي هذا البيت استعارة مكنية يبرز فيها المشبه وهو الوفاء، وغيب المشبه به وهو الماء.[٥٤]


  • فيمَ اعتراضُكَ لُجَّ البحرِ تركَبُهُ
وأنتَ تكفيك منه مصّةُ الوَشَلِ[٣]

صور الشاعر الطغرائي مصاعب الحياة وهمومها بلجة البحر وصور نفسه وهو يعترض تلك الهموم والمصاعب ويخوضها بالبحار الذي يركب الموج دون أن يخشاه أو أن يستسلم فيه فيغرق وفي ذلك دلالة على اضطراب الأيام وتقلبها وتخبط الشاعر في تدبير أمور حياته، وفي هذا البيت استعارة تصريحية يظهر فيها المشبه به وهو لجة البحر ويغيب المشبه وهو صعاب الحياة.[٥٤]


  • ترجو البَقاءَ بدارِ لا ثَباتَ لها
فهل سَمِعْتَ بظلٍّ غيرِ منتقلِ[٣]

صور الشاعر الطغرائي الحياة الدنيا بمكان للإقامة لكنه غير دائم ولا مضمون حيث لا يمكن لأحد أن يستقر فيه طويلًا، كما صور الحياة الدنيا أيضًا في زوالها وعدم دوامها بالظل الذي يفارق صاحبه من وقت لآخر، وفي هذا البيت استعارة تصريحية يبرز فيها المشبه به وهو الدار والظل، ويغيب فيها المشبه وهو الدنيا.[٥٤]

المراجع[+]

  1. "الصفدي وشرحه على لامية العجم"، الألوكه، اطّلع عليه بتاريخ 01/02/2021م. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ علي جواد الطاهر ، لامية الطغرائي، صفحة 15.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن ه و ي أأ أب أت أث أج أح أخ أد أذ أر أز أس أش أص أض أط أظ أع أغ أف أق أك أل أم أن أه "أصالة الرأي صانتني "، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 01/02/2021م.
  4. ^ أ ب ت ث ج جلال الدين السيوطي، شرح لامية العجم، صفحة 5. بتصرّف.
  5. علي عبد الله إبراهيم، "لامية الطغرائي بين العرب والعجم"، مجلة جامعة الملك سعود، صفحة 10. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت محمود محمد العامودي، شرح لامية العجم لأبي البقاء عبداالله بن الحسين العكبري، صفحة 209. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث محمود العامودي، شرح لامية العجم لأبي البقاء عبداالله بن الحسين العكبري، صفحة 211. بتصرّف.
  8. ^ أ ب محمود العامودي، شرح لامية العجم لأبي البقاء عبداالله بن الحسين العكبري، صفحة 213. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث محمود العامودي، شرح لامية العجم لأبي البقاء عبداالله بن الحسين العكبري، صفحة 214. بتصرّف.
  10. كمال الدين الدميري، حيدر ميران، عباس الجراخ، المقصد الأتم في شرح لامية العجم، صفحة 172. بتصرّف.
  11. كمال الدين الدميري، حيدر ميران، عباس الجراخ، المقصد الأتم في شرح لامية العجم، صفحة 176. بتصرّف.
  12. كمال الدين الدميري، حيدر ميران، عباس الجراخ، المقصد الأتم في شرح لامية العجم، صفحة 183. بتصرّف.
  13. ^ أ ب كمال الدين الدميري، حيدر ميران، عباس الجراخ، المقصد الأتم في شرح لامية العجم، صفحة 189. بتصرّف.
  14. كمال الدين الدميري، حيدر ميران ، عباس الجراخ، المقصد الأتم في شرح لامية العجم، صفحة 198. بتصرّف.
  15. كمال الدين الدميري، حيدر ميران، عباس الجراخ، المقصد الأتم في شرح لامية العجم، صفحة 201. بتصرّف.
  16. ^ أ ب ت ث ج ح محمود محمد العامودي، شرح لامية العجم للشيخ العالم زين العابدين بن محيي الدين الأنصاري، صفحة 908. بتصرّف.
  17. ^ أ ب محمود العامودي، شرح لامية العجم لأبي البقاء عبداالله بن الحسين العكبري، صفحة 226. بتصرّف.
  18. ^ أ ب ت خليل بن أيك الصفدي، الغيث المسجم شرح لامية العجم، الأردن:دار الفكر للنشر والتوزيع، صفحة 274. بتصرّف.
  19. محمود العامودي، شرح لامية العجم لأبي البقاء عبداالله بن الحسين العكبري، صفحة 227. بتصرّف.
  20. ^ أ ب ت ث ج محمود العامودي، شرح لامية العجم لأبي البقاء عبداالله بن الحسين العكبري، صفحة 228. بتصرّف.
  21. ^ أ ب ت ث ج محمود العامودي، شرح لامية العجم لأبي البقاء عبداالله بن الحسين العكبري، صفحة 230. بتصرّف.
  22. ^ أ ب ت ث ج محمود العامودي، شرح لامية العجم لأبي البقاء عبداالله بن الحسين العكبري، صفحة 233. بتصرّف.
  23. ^ أ ب ت ث ج ح محمود العامودي، شرح لامية العجم لأبي البقاء عبداالله بن الحسين العكبري، صفحة 236. بتصرّف.
  24. ورود الصراف، أشعار الحكمة في ديوان الحماسة لابي تمام دراسة موضوعية فنية، صفحة 20. بتصرّف.
  25. "تعريف و معنى خطل في كلامه في معجم المعاني الجامع "، معجم المعاني. بتصرّف.
  26. "تعريف و معنى العطل في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني. بتصرّف.
  27. "تعريف و معنى شرع في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  28. مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، صفحة 319.
  29. "تعريف و معنى ناء في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  30. "تعريف و معنى الخلل في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  31. "تعريف و معنى جذل في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  32. "تعريف و معنى قرى في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  33. "تعريف و معنى ضج في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  34. "تعريف و معنى لغب في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  35. "تعريف و معنى النضو في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  36. "تعريف و معنى بسطة العيش في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  37. "تعريف و معنى النفل في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  38. "تعريف و معنى الشطاط في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  39. "تعريف و معنى الوكل في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  40. "تعريف و معنى البأس في قاموس المعجم الوسيط"، معجم المعاني.
  41. "تعريف و معنى الكرى في قاموس المعجم الوسيط"، معجم المعاني.
  42. "تعريف و معنى الكور في قاموس المعجم الوسيط"، معجم المعاني.
  43. "تعريف و معنى الجلل في قاموس المعجم الوسيط"، معجم المعاني.
  44. "تعريف و معنى غي في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  45. "تعريف و معنى زجر في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  46. "تعريف و معنى الحلل في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  47. "تعريف و معنى رابضة في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  48. "تعريف و معنى الكلل في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  49. "تعريف و معنى جنحت في معجم المعاني الجامع "، معجم المعاني.
  50. "تعريف و معنى غمار في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  51. "تعريف و معنى قدر في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني.
  52. "تعريف و معنى غاض في معجم المعاني الجامع "، معجم المعاني.
  53. ^ أ ب ت ث ج جلال الدين السيوطي، شرح لامية العجم للطغرائي، صفحة 5. بتصرّف.
  54. ^ أ ب ت ث ج ح لمياء حيدر طلب، شعر الطغرائي دراسة أدبية وصفية تحليلية، صفحة 117. بتصرّف.