سمع الكثيرون منا في العقود السابقة عن أعمال عنف ووحشية من أناس يدّعون أنهم ينفذون أمر الله تعالى بالأمر "بالمعروف" والنهي عن "المنكر" كما جاء في الآية الكريمة –( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ) سورة آل عمران آية 104.
وكما جاء في قوله تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) سورة التوبة آية 112.
والبعض منا ربما لم يزل يتذكر حينما قتل بعض الإسلاميين في مصر عام 2012 طالبا جامعيا بحد السيف لوقوفه مع خطيبته أمام دار للسينما. وقد تمت عملية القتل بمحافظة السويس أثناء وقوف أحد طلاب كلية الهندسة مع خطيبته على يد أفراد ملتحين يرتدون الجلابيب البيضاء القصيرة وينتمون لجماعة تطلق على نفسها "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
ولا أنسى أنا والعديد من طلاب كلية الطب جامعة القاهرة كيف منعت الجماعة الإسلامية إقامة حفلة موسيقية داخل الكلية في أواخر السبعينات من القرن الماضي بعد أن هددوا باستخدام العنف.
وبالإضافة إلى ذلك فتدخل جماعات متطرفة في فرض الحجاب بالقوة وفرض الصلاة بالرعب وعقاب المفطرين في رمضان دون أي سند ديني كان واضحاً جلياً في المملكة العربية السعودية وذلك قبل التدخل التاريخي الرائع لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمنع مثل هذا التدخل السافر في حريات البشر.
وتحت مسمى "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" تم تدمير الحانات والملاهي في بلاد عديدة ووصل الأمر إلى قتل مفكرين مثل فرج فودة وطرد آخرين من ديارهم كما حدث مع الكاتب والمفكر نصر حامد أبو زيد وغير ذلك من الجرائم التي ظن فاعلوها أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ووالله إن ما فعلوه هو المنكر ذاته وهو أكبر نهي عن المعرف!
والآن لنا وقفة أمام الآية الكريمة التي يستخدمها البعض لتبرير جرائمهم ضد الله وضد الرسول وضد الإنسانية جمعاء لنتأمل معاً في معناها.
ففي آية {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } استخدم القرآن الكريم تعبير"المعروف والمنكر" بدلاً من تعبير "الحلال و الحرام" لأن"المعروف" هو ما تعارف عليه البشر مثل مساعدة المسكين والضعيف والمحتاج و"المنكر" هو ما أنكره البشر جميعاً بفطرتهم مثل الظلم و قهر الضعفاء. أما الحلال والحرام فهى مسميات دينية لا تعنى تعارف البشر عليها أو إنكارهم لها ولذا فهي تختلف عن المعروف و المنكر.
فالأمر مثلا بمساعدة إنسان ضرير لعبورالطريق هو أمر بالمعروف لأن معظم البشر تعارفوا على أنه عمل خير والنهي عن استخدام العنف مع إنسان عاجز هو نهي عن المنكر لأنه شيء تستنكره معظم شعوب الأرض.
أما الحلال ( مثل إقامة الشعائر الدينية ) والحرام ( مثل أكل لحم الخنزير) فهي أمور تختلف بين الشعوب لاختلاف عقائدهم وليست متعارفاً عليها أو منكرة بينهم.
ونلاحظ أيضاً أن استخدام الله تعالى لتعبير "الأمر والنهي" لا يعني أبداً استخدام العنف فالله تعالى قال فى كتابه الكريم :
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) – سورة النحل آية 90
ولم نرَ سياطاً أو أحجاراً تنزل من السماء على كل من لا يعدل أو كل من يرتكب منكراً. فالله تعالى أعطى للبشر الحرية المطلقة فى الاختيار { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } ومنع الإكراه فى الدين { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } وأعطى لذاته الإلهية فقط حق حسابهم { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ }.
وأخيراً فقد حان الوقت لوضع مفهوم صحيح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدلاً من المفهوم الحالي والذي تسبب في قهر للفكر وكبت للحريات وسفك للدماء!