في رحاب الشريعة

فضل الجهاد والاستشهاد في سبيل الله دفاعا عن الدين والوطن والعباد/ محمد مكركب

تحدثنا في الجزء الأول عن الجهاد والاستشهاد، وعن حكم الجهاد دفاعا عن الدين والوطن والنفس والمال، ونبين في هذا العدد لماذا يوم الشهيد؟ في الجزائر بالذات؟

فقد امتازت الثورة الجزائرية: بوحدة الإيمان؛ وهذا الأساس الأول في الجهاد العسكري، والجهاد الفكري السياسي، والجهاد الاقتصادي. كما امتازت الثورة التحريرية الجزائرية بوحدة الهدف المباشر بأن تطهر الأرض من نجاسة الكفر وظلم المحتلين، وإقامة الدولة ذات السيادة على المبادئ الإسلامية، وهذا هو الأساس الثاني. وأما الأساس الثالث فهو وحدة القيادة والراية والتنظيم. فاجتمعوا على: كلمة  الله أكبر، وأن تخرج فرنسا من الجزائر، وأن يتحرر الشعب ويقرر مصيره بإذن ربه.

1 ـ يوم الشهيد وذكرى الشهداء:

فَلِمَا سبق ذكرُه من عظمة المقاومة والجهاد، واعتبارا لطول المعركة المتواصلة لمدة اثنين وثلاثين ومائة سنة، سجل الجزائريون ليس من قبيل التباهي والافتخار، ولكن من باب الاستبصار والاعتبار، سجلوا للتاريخ يوما في العام ليكون تذكيرا واعتبارا في المرآة التاريخية والذكرى المصيرية في تاريخ هذا الشعب المسلم الأصيل. إنه يوم الشهيد يوم 18 فبراير. يوم القيم والذكريات، فهو يوم القيم، لأن يوم الشهيد تأصيل لقيمة الجهاد الذي هو ذروة سَنَام الإسلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجهاد] ( أخرجه الترمذي. كتاب الإيمان.2616).

وفي الحديث أيضا: [كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلَّا الَّذِي مَاتَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنَّهُ يُنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَيَأْمَنُ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ], ويوم الذكريات. يوم جهاد الأمير عبد القادر، والمقراني، ويوم بوعمامة وابن باديس والورتلاني، وذكريات جهادية بطولية لـأمثال مصطفى بن بولعيد، والعقيد اعميروش، والعربي بن مهيدي وديدوش مراد.

2 ـ فضل الجهاد والاستشهاد:

قال الله تعالى:﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ[آل عمران: 169/170]. قالوا في الأمثال: (الشهادة شرف وسيادة وفوز بجوهر العبادة). الشهيد يلقى ربه بقناطير من الحسنات، وينال أعلى الدرجات، ويترك لأمته العزة والمجد والشرف. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ] (مسلم. كتاب الإمارة.1909).

4 ـ أهداف الجهاد والاستشهاد: بعض من الناس الجهلة المغفلين يرتكبون حماقات تصنف ضمن الحرابة المحرمة، أي أنهم يرتكبون أعمالا يحاربون الله ورسوله بها، ويحسبون أنهم مجاهدون؟ كما فعل الحروريون وأتباعُهُم المارقون في كثير من الأزمنة، وكثير من الأمكنة. إن أمر الجهاد خطير يقتضي فقها وحكمة وسياسة وشورى، كل ذلك ليس من شأن العامة في شيء أبدا، إنما الجهاد يوُكَلُ أمرُهُ إلى أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأحكام الشرعية بتفاصيلها، والسياسة الشرعية بمقتضياتها، ويقدرون المصالح والمفاسد، ويوازنون بينها، وأن يجتمع أهل الاختصاص من كل هذه العلوم والمهام. وأن يوقع على قرار الجهاد إن لزم الأمر جهادا في سبيل الله، خمس مؤسسات: رئيس السلطة الحاكمة، ورئيس القضاة، والمفتي العام، والقائد العام للجيش، ورئيس المجلس الشورى. أما مقاومة الشعوب المحتلة المظلومة فلها ظروفها وخصوصياتها، ومع ذلك ففي كل الأحوال يجب على كل من يحمل السلاح قبل أن يحمله أن يسأل نفسه (وبالطبع هذا الكلام للمسلمين الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر) أن يسأل نفسه إذا سأله ربه يوم القيامة لم قاتلت؟ ومع من قاتلت؟ ومن أمرك بقتل  ناس معينين؟ فبماذا يجيب؟ وقد قال له الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم: [آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمعُ، والطاعةُ، والجهادُ، والهجرةُ، والجماعةُ، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم]، فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ قال: [وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين، عباد الله] ( الترمذي. كتاب الأمثال. رقم:2863).

فلا جهاد ولاقتال لعصبية طائفية، أوعرقية، أومذهبية، أوقبلية، أونعرة سياسية. ففي الحديث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ.] (مسلم.كتاب الإمارة. رقم:1848).قال الله تعالى:﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[البقرة:190]، لقد أجاب الله العزيز الحكيم المسلمين الذي خرجوا يوم بدر مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويظل هو نفسه الجواب. ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ.[الأنفال:7/8]؛ فقد شرع الله الجهاد لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، لنشر السلم، وتحقيق الأمن، لإزالة الظلم بالعدل، وإزالة العنف بالرفق، وإزالة فساد الكفر بنور الإسلام. لأن الجهاد كما علمت من دعوة الأنبياء عيهم الصلاة والسلام، ليس من أجل التسلط على الشعوب بالاستبداد، ولا من أجل استعباد العباد، وإنما من أجل إخراج العباد من ظلمات الجاهلية إلى نور الحياة الإيمانية. ﴿أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ[الأنعام: 122].قال الدكتور يحي بوعزيز رحمه الله: “حاورنا العشرات من المجاهدين الذين حملوا السلاح وصعدوا إلى الجبال،وأجرينا معهم شبه استفتاء حول سؤال واحد هو: لماذا حملت السلاح وصعدت إلى الجبل؟ وكان الجواب من الجميع واحدا كذلك، هو من أجل إعادة الاعتبار للإسلام والقرآن ولغة القرآن، والحرية والاستقلال الوطني للبلاد والعباد. وقد لاحظنا هذا حتى مع الطلبة الجامعيين والمثقفين ثقافة غربية، مما يدل على تغلغل عقلية الجهاد والاستشهاد في عقول جميع الجزائريين، بعيدا عن العصبية العرقية”. (قاموس الشهيد.ج1 ص:13).

5 ـ  أصناف الشهداء الذين ينالون أجر الشهيد:وفي الحديث: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ما تقولون في الشهيد فيكم؟] قالوا: القتيل في سبيل الله. قال: [إن شهداء أمتي إذا لقليل، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، والمبطون شهيد، والمطعون شهيد] (ابن ماجة.2804. وفي مسلم:1914).

وفي سنن أبي داود. قالت ابنة عبد الله بن ثابت لأبيها، وهو يحتضر بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا، فإنك كنت قد قضيت جهازك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله عز وجل قد أوقع أجره على قدر نيته، وما تعدون الشهادة؟] قالوا: القتيل في سبيل الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد]. (أبو داود. كتاب الجنائز.3111).

وأهم شرط من شروط صحة الجهاد الإخلاص. ذلك أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن القتال في سبيل الله عز وجل، فقال الرجل: يقاتل غضبا، ويقاتل حمية؟ فقال: [مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ]( مسلم.1904). وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:[إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ](مسلم.1905) “وذكر من علم العلم والقرآن وتصدق رياء” يلقون نفس المصير.

6 ـ أمانة الشهداء، ما هي أمانة الشهداء؟ لماذا كان أول نوفمبر؟ ويوم المجاهد؟ ويوم الشهيد؟

ليظل أول نوفمبر جرس تنبيه وتذكير، لمحاربة الغفلة وإيقاظ الضمير، وليظل يوم المجاهد مؤشرا داعيا إلى ترسيخ عقيدة الجهاد، لنصرة الدين ودوام الإعداد، وحفظ البلاد والعباد، وليظل يوم الشهيد شاهدا على الأجيال المتلاحقة الثابتة على نهج المجاهدين والشهداء. إذا كنا نعلم أن الله تعالى قال:﴿وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا[البقرة: 217]، وهذا إخبار عن دوام عداوة الكفار للمسلمين، بأنهم لا ينفكون عن هذه العداوة حتى يردوا المسلمين عن دينهم، وهم لا يستطيعون ذلك بفضل الله تعالى، ولكن يبقى إيذاؤهم واعتداؤهم. فما هو المطلوب إذن؟ المطلوب أن يظل المسلمون مستعدين للجهاد، والتضحية والاستشهاد، للدفاع عن الدين والأنفس والبلاد. هذا من أهداف تثبيت هذه الأيام في الجزائر أيام: أول نوفمبر، ويوم المجاهد 20 أوت. ويوم الشهيد 18 فبراير، حتى لا ننسى، هل أدركتم المغزى؟ ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم:5].

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

[email protected]