الصدق مع النفس.. معادلة تكتمل بالشجاعة

مجاراة السائد وسيلة البعض للتعايش
03:03 صباحا
قراءة 4 دقائق
تحقيق: هديل عادل 

الكثير منا يخشون أن يكونوا على حقيقتهم، ويتخلون عن أحلامهم، ويسيرون مع الجموع، في حين أنهم لو كانوا صادقين مع أنفسهم، وتمسكوا بفطرتهم السليمة، لعاشوا حياة أعظم، وأجمل بكثير. ولعل مقولة شكسبير «كن شجاعاً بما يكفي لتصبح صادقاً مع نفسك، ولتخرج أعظم ما فيها»، تؤكد هذا المعنى، الذي يشير إلى حقيقة أن الصدق مع النفس يدعمها، ويساعدها على التعرف إلى أهدافها، واستشعار ما وهبه الله لها من نعم، وإمكانات، وقدرات، وطاقات تستطيع الاهتداء بها إلى طريق النجاح.
تواجه إسلام زعرب، «ربة بيت» تحدياً كبيراً في التعامل بطبيعتها مع محيطها، وتحاول أن تعيش هذه الطبيعة مع صديقاتها المقربات جداً منها. وتقول: في كثير من الحالات تجد نفسك مضطراً لأن تتخلى عن بعض منك من أجل التعايش مع محيطك، والوصول إلى واقع أفضل للجميع، ولا شك في أن أهدافي وأحلامي تعيش في داخلي، أعرفها جيداً ولا أتخلى عنها إلا مضطرة، لأن الحياة لا تمنحنا كل ما نطمح إليه، وأنا بطبيعتي لا أحب المواجهة، خاصة مع أولئك الذين لا يحترمون فكرة الاختلاف، ولا يضيرني أن ألتزم الصمت أحياناً، أو لا أعبر عن نفسي بالشكل المطلوب، ولكني لا أتلون من أجل إرضاء الآخرين، مهما كلفني الأمر.
أيضاً يرى حازم سليمان «مهندس مدني»، أن كثيرين لا يعيشون على حقيقتهم خشية ألا يقبلهم محيطهم، قائلاً: كلنا مهتمون بأن نكون مقبولين في مجتمعاتنا لدرجة تجبرنا أحياناً على مجاراة بعض الأنماط السائدة في المجتمع، وبالنسبة إلي لا أجد في ذلك خطأ يستحق التراجع عنه، مادام في حدود المعقول، ولا يكون على حساب أولوياتنا في الحياة، حتى لو تخلينا عن بعض من ملامح شخصيتنا، وأحلامنا التي تميزنا عن غيرنا، فالحياة لن تمنحنا كل ما نريده، ومن أجل تحقيق النجاح في الحياة يجب أن نتوافق مع معطياتها ومستجداتها، ونتمتع بالمرونة المطلوبة لنستطيع القيام بذلك.
وتختلف عبير عادل، «مهندسة معمارية»عن رأي حازم، موضحة وجهة نظرها: البحث عن صيغة مناسبة للتعايش مع الواقع، والتعامل مع أنماط الناس المختلفة لا تتطلب بالضرورة التخلي عن هويتنا الشخصية، وحقيقتنا التي تميزنا عن غيرنا، وبالنسبة إلي أعتبر هذه التضحية في غير محلها، وأن من يقوم بها يفتقد للشجاعة الكافية للمواجهة، فالصدق مع النفس أولاً، ومن ثم الصدق مع الآخرين يتطلب شجاعة وقوة، لا يمتلكها الكثيرون، والبعض مستعد للتخلي عن مبادئه وقيمه الذاتية طواعية من أجل تحقيق مكاسب أخرى، وفي جميع الحالات لا يمكن أن يكون الإنسان سعيداً إذا تخلى عن حقيقته، وأحلامه، ولم يحقق التوافق والانسجام المطلوب بين ما يظهره للناس، وما يبطنه في داخله.
ويقول أحمد فايز «مهندس إلكتروني»: نعتقد أحياناً أننا نعيش بطبيعتنا وبفطرتنا السليمة، وما زلنا متمسكين بحقيقتنا، ولكننا لا ندرك أن واقعنا المملوء بالتناقضات والمغالطات ترك أثره فينا، وفي بعض الحالات لا نعترف لأنفسنا بأننا تخلينا عن أحلامنا الحقيقية واستبدلناها بأخرى أقل أهمية بالنسبة إلينا، ولكنها مهمة لغيرنا، وعلى صعيدي الشخصي لا أنكر أنني تغيرت كثيراً من الداخل والخارج، وأحياناً أشعر بأنني لا أشبه نفسي القديمة، وأتضايق كثيراً من هذه النتيجة التي توصلت لها، ولكني أعزي نفسي بأن هذا هو حال الكثيرين، فمن منا حافظ على أحلامه الوردية، وطبيعته النقية؟
وتوضح الأخصائية النفسية عائشة الجابري، أهمية أن يعيش الإنسان على حقيقته، قائلة: الوعي بالذات يساعدنا على معرفة نقاط القوة والضعف في شخصيتنا، أما الصدق مع النفس فيعني أن تكون على حقيقتك، وتتناغم مع ما وهبك الله من نعم، وتسعى إلى أهدافك أنت، وما تريد تحقيقه، وليس ما أراد الناس لك، وبعبارة أخرى، أن تعيش حلمك وطموحك بفكرك ووعيك.
وتتابع: كل إنسان مسؤول عن اختياراته وتحركاته والنتائج المترتبة على تعاملاته واتجاهاته كافة، وكلما كان الإنسان صادقاً مع نفسه، وعاش بفطرته السليمة من دون أن يشوهها بمحاولات إرضاء الناس على حساب تحقيق ذاته وأحلامه في الحياة، عزز خطواته نحو النجاح، واستطاع تصحيح أخطائه بمرونة وفكر سليم، وأصبح أكثر قوة وصلابة لأنه يدرك حقيقة ذاته، ونقاط قوته وضعفه، ويحترمها مهما كانت إخفاقاته وعثراته، وهذه الرؤية السليمة والإيجابية للنفس، تساعد صاحبها على أن يستفيد من تجاربه وأخطائه، بدل أن يتخلى عن أحلامه وأهدافه.
وتؤكد الجابري على أهمية تقدير الذات، قائلة: يجب أن يقاوم الإنسان نظرته السلبية لنفسه، ليرى الجمال في داخله، وفي أقواله، وأفعاله، وتصرفاته، وسلوكاته التي تدل على احترامه لنفسه، و إذا نجح الإنسان في تقدير ذاته، بالتواصل الجيد مع معها والتعرف إلى احتياجاته وأولوياته، سيجني تقديرهم له، من دون أن يلهث لإرضائهم، وهذه المعادلة لا يمكن أن تتحقق من دون التحلي بالشجاعة التي ستمكننا من التمسك بحقيقتنا وأحلامنا، وتساعدنا على إخراج أعظم ما لدينا إلى الحياة، ليصبح واقعا ملموساً نعيشه نحن، ومن حولنا.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"