موضوع إنشاء عن العلم

موضوع إنشاء عن العلم
موضوع-إنشاء-عن-العلم/

مفهوم العلم

مفتاحُ الحضارة وميزانُ تفاضل النَّاس والشُّعوب بين بعضها البعض هو العلم والعلماء، وسرُّ وجود الإنسان على الأرض أن يعرف، فلا قيمة لإنسانٍ جاهلٍ يتساوى بجهله مع الدَّواب والجمادات، فإنَّ الله شرّف الإنسان بالعقل وخصَّه بالتَّفكير ليستثمر هذه النِّعم في البحث والمعرفة والتَّطوير والبناء، والإنسان بلا علمٍ يتجرَّد من كونه إنسانًا، فإنَّها ميّزته بين المخلوقات وفريدته الَّتي يتفرَّد بها. ومنذ أن يفتح الإنسان عينيه على الدُّنيا يدفعه حبُّ الاكتشاف إلى السُّؤال والاستفسار عن كلِّ ما يحيط به وكلِّ ما يراه وما ليس يراه أيضًا، فالعلم حاجةٌ من حاجات الإنسان الفطريَّة تنمو وتكبر معه وتتطوَّر لتتحوَّل عن حيِّز الفضول إلى حيِّز الطُّموح والغاية.


لا تقومُ للإنسان قائمةٌ ما دام جاهلًا، ولا تتقدَّم الشُّعوب إلَّا بالعلم، فإنَّ العلم أساس نهضة الأمم وتطوُّرها، وهو ما نراه منذ فجر التَّاريخ إلى اليوم حيث لم تحظ حضارةٌ ما كان لها من قيمةٍ إلَّا بعلمائها وما قدَّمته للبشريَّة من إسهاماتٍ نحو حياةٍ أفضل وعيشٍ أجمل، فإنَّ الأصل فيه أن يبني لا أن يدمِّر، وأن يساعد في فعل الخير ونشر الفضيلة، وأمَّا حين يفقد هذه الغايات السَّامية فإنَّه يفقد جوهره ويخرج عن أصله، فإنَّ أساس العلم البناء وغايته الأسمى هي إعمار الأرض ونشر الخير، وفي ذلك قال الشَّاعر:

العلمُ يبني بيوتًا لا عمادَ لها

والجهلُ يفني بيوتَ العزِّ والكرمِ


مجالات العلم

العلم كلمةٌ بابها واسعٌ، لا تنحصر بالماديِّ من الأشياء ولا تختصر بالمعنويِّ، فمعناها كبيرٌ لا يحدُّه شيءٌ، وإنَّ العلوم في تطوُّرٍ وازديادٍ وتجدُّدٍ ما دام الإنسان حيًّا وقادرًا على التَّجديد والاكتشاف والتَّطوير، ومنذ أن بدأت الحياة البشريَّة إلى اليوم فتحت أبوابٌ كثيرةٌ من العلم، وأنشأ الإنسان مجالاتٍ جديدةً، فلم يكتفِ بما يخدم حاجاته الماديَّة بل أوجد العلوم الرُّوحيَّة والكلاميَّة من فلسفةٍ ومنطقٍ ودينٍ، ولم يرضَ من العلوم الماديَّة بما وقع في يديه فاخترع التلغراف والآلة الكاتبة والمصباح وصولًا إلى التَّطوُّر التكنولوجي اليوم وثورة المعلومات الَّتي غيَّرت شكل الحياة رأسًا على عقب.


العلوم على تعدُّدها واحدةٌ في القيمة، فلا فضل لعلمٍ على آخر ولا يؤثر علمٌ عن غيره، فإنَّها جميعًا تُساهم في بناء الإنسان وتطوُّر الحياة والوصول إلى أفضل صورها، فالعلوم الفكريَّة والأخلاقيَّة تُسهم في بناء العقل الإنسانيَّ بالصُّورة الَّتي تمكِّنه من توظيف العلوم الماديَّة بشكلٍ سليمٍ واستخدامها بما فيه نفعٌ للنَّاس والبشريَّة، فإن استخدمت التكنولوجيا بعقلٍ مخرِّبٍ دمَّرت وأضرَّت بدلًا من أن تنفع وتبني، الأمر الَّذي يعني تكامل علوم الأخلاق والفلسفة والعلوم الماديَّة وجميع ضروب العلوم الَّتي يجب أن توظَّف لخدمة البشريَّة وجعل الحياة أجمل وأكثر سهولةً ونشر الحبِّ والسَّلام بين النَّاس.


لا غنى للإنسان عن علمٍ دون آخر، فإنَّ أصل الثَّقافة أن يأخذ الإنسان من كلِّ علمٍ بطرف، فهي معرفة شيءٍ من كلِّ شيءٍ[١]، فإنَّ أضعف الإيمان أن يعرف الإنسان من الرِّياضيَّات العمليَّات الحسابيَّة البسيطة، وأن يعرف من علوم اللُّغة قواعدها البسيطة، وأن يعرف من كلِّ العلوم الأخرى ما يسدُّ حاجته ليستطيع إكمال الحياة بشكلٍ سليمٍ وبعقلٍ متوازنٍ يدرك من كلِّ الأمور أبسط تفاصيلها، ويتفاضل النَّاس بعمق المعرفة وسعة الاطلاع، فمن كان منهم مطلعًا على أحد العلوم اطلاعًا واسعًا تميَّز به عن غيره، ومن كان مُطّلعًا على أكثر من علمٍ تميَّز بهذا الاتِّساع والتَّنوع عن غيره، فكلَّما اتَّسعت معارف الإنسان اتَّسع عقله ومداركه وتجدَّدت رؤيته للأمور.


ثمرات العلم على الفرد والمجتمع

الإنسان بلا علمٍ إنسانٌ بلا قيمة، وكلَّما تزوَّد منه ازدادت قيمته وازداد نباهةً وبعدًا في النَّظر، والعلم يعطي الإنسان شعورًا بالسَّعادة يهتدي به إلى معنى الحياة وجوهرها في البحث والمعرفة، فأدرك ما وراء الأمور وما في أعماق الأشياء، وبالعلم يرتقي الإنسان ويرتفع قدره بين النَّاس، فالنَّاس تجلُّ العالِم وتزدري الجاهل، فإنَّ احترام الإنسان لذاته لا يتحقَّق إلَّا بالعلم الَّذي يفرض احترامه على الآخرين أيضًا، والعلم واجبٌ اجتماعيٌّ وإنسانيٌّ ودينيٌّ، فقد أكدّت نصوصٌ كثيرةٌ على أهميَّة العلم في الإسلام وقيمته في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة.


من ذلك الحديث الَّذي ورد "عن زِرِّ بن حُبَيش، قال أتيتُ صَفوانَ بنَ عسَّالٍ المُراديَّ قال: ما جاءَ بكَ؟ قال: جئتُ أنبطُ العلمَ قال: فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: "ما من خارجٍ يخرجُ من بيتِه يطلبُ العلمَ إلَّا وضعتْ لهُ الملائكةُ أجنحتَها رضًا بِما يَصنع"[٢]، وهو ما يدلُّ على مكانة العلم في الإسلام وقدسيَّته، ومكانة طالب العلم وجزائه الكبير في سعيه إلى المعرفة، ومباركة الملائكة لهذا العمل الجليل، كذلك وردت في القرآن آياتٌ تحثُّ على العلم والمعرفة، ومن ذلك قوله تعالى: "وقُلْ رَبِّ زِدْنِيْ عِلمًا"[٣]


قد تحدَّث الفلاسفة والأدباء عن أهميَّة العلم وأثره في بناء الأمم، وكتب الكثير من الشُّعراء أبياتًا في ذلك، ومن ذلك قول الشَّاعر:

العلمُ يَبني بيوتًا لا عمادَ لها

والجهلُ يفني بيوتَ العزِّ والكرمِ


العلم مصنع العقول، والمجتمع الَّذي يتطلَّع إلى التَّطور فعليه بتطوير طرائق التَّعليم والاهتمام بالقطَّاع التَّدريسيِّ ومواكبة التَّطور بشكله الإيجابيِّ والنَّافع، فإنَّ الدُّول تتقدَّم بالعلم وتتأخَّر دونه، والحروب اليوم تقوم بالتَّطوُّر العلميِّ والأسلحة الحديثة الَّتي تفتك البشريَّة في لحظةٍ مما يحتِّم ضرورة الوعي تجاه هذا التَّطوُّر للاحتماء ممَّا قد يحدثه من أذىً والقدرة على ردِّه.


واجبنا تجاه العلم

هذه القيمة العظيمة الَّتي يختصُّ بها العلم، والقداسة الَّتي يتَّسم بها تفرض علينا تقديسه، وإيلاءه الاهتمام اللَّازم وتقديمه على ما هو أقلُّ أهميَّةً منه، فإنَّ أوَّل الأمر في ذلك يبدأ في تعليم الأطفال والعناية بهم وترغيبهم بالعلم والمعرفة لا فرضها بالإكراه، فإنَّ العلم أمرٌ جميلٌ ونافعٌ لا يستوي معه إكراهٌ ولا ترهيب، ممّا يعني ضرورة تحبيب العلم إلى الطِّفل منذ بداية وعيه وتنبيهه إلى آثاره الإيجابيَّة وأهميَّته في إثبات الذَّات والتَّأثير في المجتمع وإحداث التَّغيير.


إنَّ العلم لا يحصَّل بسهولةٍ ولا يبلغ مجده دون عناءٍ، فإنَّ من طلبه استعدَّ للجهد والتَّعب وكابد المصاعب وتجاوز العقبات، فإنَّها طريقٌ شاقَّةٌ وخطواتٌ صعبةٌ لا يقوى عليها إلَّا صاحب عزيمةٍ وغايةٍ ساميةٍ، فالعلم مجدٌ لا ينال بسهولةٍ، وفي ذلك قال الشَّاعر:

لا تحسبِ المجد تمرًا أنتَ آكلُه

لنْ تبلُغَ المجدَ حتَّى تلعقَ الصَّبرا


إنَّ السَّعي في طلب العلم هو رأسُه وأصله، فكثيرًا ما يرغب الإنسان ببلوغ درجاتٍ رفيعةٍ ويتمنَّى أن يحوز علمًا كثيرًا لكنَّه لا يكلِّف نفسه المشقَّة ولا يهيِّئ الأسباب لينال العلا، وفي ذلك قال الإمام الشَّافعي:

بقدر الكدِّ تكتسبُ المعالي

ومَن طلبَ العُلا سهرَ اللَّيالي


الصَّبر باب العلم، والإرادة والحبُّ ساقاه، بهما يسير الإنسان ويبلغ القمم، ويوازيهما في الأهميَّة صدق النِّية وإخلاص الغاية لما فيه خيرٌ للنَّاس والعالم وما يرتجى منه رضا الخالق، فإن صحَّت الغاية هانت الصِّعاب وبُسط الطَّريق بتوفيق الله وعونه، فإنَّ على طالب العلم أن يسعى لكلِّ ما فيه ارتقاء المجتمع وتنوير الأدمغة وتحسين الحياة وبثِّ المودة والتَّفاهم بين النَّاس، سعيًا إلى عالمٍ أجمل، بأناسٍ متفتِّحين وعقلاء وعارفين غير جاهلين تُصبح الدُّنيا أكثر سلامًا وأمنًا، وينتشر الإخاء بين النَّاس فإنَّ الجهل رأس الفتن ووقود الخلافات والحروب وإن صدرت ممَّن يدَّعون العلم فإنَّ جوهر الحروب الجهل وإنْ شنَّت بأحدث التِّقنيات.


العلم فضلٌ ويجب أن يردَّ بحسن استخدامه، وتوظيفه بالخير والفضيلة لا بالأذى والرَّذيلة، فإنَّه نعمةٌ لا تدوم إلَّا بالشُّكر وشكر هذه النِّعمة يكون بإنفاقها ونشرها، فلا بركة في علمٍ لا ينفق منه ولا ينشره صاحبه بين النَّاس، فإنَّ أحسن النَّاس من علَّمهم ما تعلَّم وأسهم في محو الجهل والإفاضة على من حوله بالمعارف، لذلك كانت مهنة التَّعليم من أنبل المهن وأكثرها رفعةً، وفي ذلك قال الشَّاعر:[٤]

قُم للمعلِّم وفِّه التَّبجيلا

كادَ المُعلِّمُ أنْ يكونَ رسُولا


إنَّ قداسة المعلِّم جزءٌ من قداسة العلم وفضله كبيرٌ لا يرد، والإنسان ينشأ صغيرًا فيربِّيه أبواه في البيت ويرعاه معلِّمه في المدرسة، والمعلم بمثابة الأب والأم حين يكون معلِّمًا حقًّا، وأستاذًا فاضلًا يبذل وسعه لإنشاء جيلٍ نابغٍ ذي قيمةٍ وفاعليَّةٍ في المجتمع، فحُقَّ له حينها أن يُجلَّ ويقدَّرَ تقدير الأبوين ويُبرَّ برَّهما، فإنَّها من أصعب المهن وأكثرها مشقَّة، ولا يقدر عليها إلَّا مَن كان فيه صبرٌ كبيرٌ وله شخصيَّةٌ قويَّةٌ وقدرةٌ على إيصال المعلومة لا تجتمع عند كلِّ عالِم.


إنَّ أوَّل العلم التَّواضع، فمن افتخر بعلمه لم يدرك ما تعلَّم ولم يعرف جوهرًا له، فلا يظنُّ المرء أنَّ علمه مدعاةً للغرور والمفخرة، فإنَّ الإنسان كلَّما كبر بالعلم عرف حجم جهله وازداد شعوره بهذا الجهل أكثر لمعرفته أنَّ العلم لا يتمُّ إلَّا للَّه ولا يملكه غيره سبحانه وتعالى، فلا يستصغر الإنسان النَّاس إن جهلوا، فإنَّ العلم نعمةٌ لا تتيسَّر لكلِّ النَّاس بالقدر نفسه، فمن تيسَّرت له فعليه بالقبض عليها والإمساك بها ما استطاع.

المراجع[+]

  1. "مقدمة ابن خلدون"، الموسوعة الشاملة، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020. بتصرّف.
  2. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن صفوان بن عسال، الصفحة أو الرقم:85، صحيح.
  3. سورة طه، آية:114
  4. "قم للمعلم وفه التبجيلا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2020.